الملاريا والتغير المناخي.. أي علاقة؟
بالتوازي مع ارتفاع درجات الحرارة، يُتوقع أن تنتقل العديد من الأنواع الحيوانية الاستوائية التي كانت تقتصر على الأجزاء الأكثر دفئاً من الكرة الأرضية سابقاً إلى مناطق أكثر ارتفاعاً وأن تبتعد أكثر عن خط الاستواء. هذا الأمر قد يكون بدأ في الحدوث مع البعوض الحامل للملاريا، وهي من أكثر الأمراض خطورةً، إذ تقتل سنوياً أكثر من 600 ألف شخص. وتُظهِر الأدلةُ أن هذه الحشرات أخذت تطير إلى أماكن جديدة في أفريقيا، وفقاً لدراسة صادرة مؤخراً.
وباستخدام بيانات تعود إلى العام 1898، وجد فريق باحثين من جامعة جورج تاون الأميركية أن حدود مدى بعوض الملاريا ابتعدت عن خط الاستواء بـ4,7 كيلومتر سنوياً في المتوسط على مدى القرن الماضي. وقام البعوض بتسلق الجبال أيضاً، واكتسب ارتفاعاً بلغ في المتوسط 6,5 متر سنوياً خلال الفترة نفسها، وذلك وفقاً لدراسة نشرت يوم الأسبوع الماضي في دورية «بايولوجي ليترز». وأشار كولن كارلسون، وهو عالم متخصص في البيولوجيا قاد الدراسة، إلى أنه يحتاج بيانات إضافية من أجل تأكيد وجود علاقة مباشرة بين انتشار بعوض الملاريا وارتفاع درجات الحرارة.
وقال: «لكن ما نستطيع قوله الآن هو أن الكثير من هذه الأنواع تتحرك في الاتجاه وبالسرعة التي تبعث على الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بالفعل بتأثير لتغير المناخ». تأثيرات تغير المناخ الأكثر فتكاً لن تأتي من الفيضانات والجفاف وكوارث أخرى فقط.. بل وفقاً لعلماء مناخ تابعين للأمم المتحدة، فإن بعضاً من أسوأ عواقب التغير المناخي يُتوقع أن تأتي من الأوبئة والأمراض. أمراض قليلة جداً، إن وجدت، أصابت البشرية بشدة ولفترة طويلة مثل الملاريا. فهذا العامل المسبب للمرض قديمٌ، بل قديم جداً لدرجة أنه قد يكون أصاب الديناصورات.
كما أنه قد يكون مسؤولاً عن قتل نصف الأشخاص الذين ماتوا على مدى تاريخ البشرية، وفقاً لبعض التقديرات. والواقع أن العديد من الدراسات توقعت انتشارَ المرض بسبب تغير المناخ في المستقبل. لكن هذه الدراسة الأخيرة تشير إلى أن ذلك قد يكون بدأ بالفعل في أفريقيا خلال القرن العشرين، كما قالت سادي ريان، وهي أستاذة لمادة الجغرافيا الطبية بجامعة فلوريدا لم تشارك في الدراسة. وقالت ريان: «لقد تمكنوا من استخدام مجموعة البيانات الضخمة عبر المكان والزمان»، مضيفةً: «لسنا بحاجة إلى صنع نماذج خيالية للقول: ربما يحدث ذلك».
كيف يؤثر تغير المناخ على المرض؟ البعوض كائنات من ذوات الدم البارد تعمل بشكل أفضل في درجات الحرارة المعتدلة. لكن منذ الثورة الصناعية، تسبب البشر في ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 1 درجة مئوية في المتوسط. وفي وقت بات فيه تغير المناخ على وشك قلب مَواطن الكائنات ودفع النباتات والحيوانات إلى أماكن جديدة، أخذت العواملُ المسببة للأمراض في التحرك أيضاً. ففي أميركا الشمالية، على سبيل المثال، أخذ القراد المسؤول عن مرض «لايم» يصل إلى شمال كندا. لكن انتشار البعوض لا يؤثر في البشر فحسب. ففي هواي، بدأت الطيور المغرِّدة المحلية تموت جرّاء شكل من الملاريا يصيبها.
ومع ارتفاع درجات الحرارة، يتوقع العلماءُ انتشارَ البعوض في مناطق أكثر ارتفاعاً في جبال الجزر، وعندها لن يعود للطيور مكان آخر لتذهب إليه. بيد أن هذه الدراسة، وهي الأحدث في أفريقيا حول البعوض، لا تخلو من عيوب، كما قال كارلسون. وعلى سبيل المثال، فإن فريقه اعتمد في القيام باستنتاجاته على ما يعادل قرناً من الملاحظات المتعلقة بالبعوض مصدرها باحثون في أفريقيا. غير أنه على مدى العقود، قد يكون متعقبو البعوض غيّروا الطريقة التي يبحثون بها عن الحشرات في البرية. كما أنه وزملاءه لم يربطوا بعدْ حركةَ بعوض الملاريا بدرجات الحرارة بشكل مباشر، ولم يدرسوا ما إن كان عدد أكبر من الأشخاص يصابون بالمرض نتيجة لذلك.
واكتفوا بالنظر إلى الكيفية التي تغيّر به مدى أنواع البعوض مع الوقت. وقال كارلسون في هذا الصدد: «هناك الكثير من العمل الذين ما زال ينبغي علينا القيام به». ومع ذلك، فإن النتائج الأولى لا تبشّر بالخير ولا تبعث على التفاؤل بشأن نتيجة المعركة العالمية ضد الملاريا.
ففي الوقت الحالي، تُنفق الحكوماتُ والمحسنون مليارات الدولارات سنوياً على الأسرّة ذات الناموسية والمبيدات الحشرية وأدوية منع العدوى وتخفيف حمى الملاريا ومعالجة أعراضها. غير أن التمويل ما زال لا يرقى إلى مستوى الأهداف الدولية. *صحافي متخصص في الحياة البرية والتنوع البيولوجي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيت»